فصل: عَنْ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.السِّينُ:

السِّينُ: حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَيَتَنَزَّلُ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ.
وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ.
وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ: حَرْفُ تَنْفِيسٍ، وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ؛ لِأَنَّهَا تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ- وَهُوَ الْحَالُ- إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ، وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} [النِّسَاء: 91]. {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [الْبَقَرَة: 142]؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ {مَا وَلَّاهُمْ} فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ. بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ، وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قَالَ: وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ.
وَوُجِّهَ: أَنَّهَا تُفِيدُ الْوَعْدَ بِحُصُولِ الْفِعْلِ، فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة: فَقَالَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 137]: مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ (بَرَاءَةَ)، فَقَالَ فِي قَوْلِه: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التَّوْبَة: 71]: السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ، فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ فِي قَوْلِكَ: سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ.

.سَوْفَ:

سَوْفَ: كَالسِّينِ، وَأَوْسَعُ زَمَانًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَعْنَى، وَمُرَادِفَةٌ لَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَتَنْفَرِدُ عَنِ السِّينِ بِدُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهَا، نَحْوَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} [الضُّحَى: 5].
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى السِّينِ كَرَاهَةَ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِي: (لَسَيُدَحْرِجُ) ثُمَّ طَرَدَ الْبَاقِيَ.
قَالَ ابْنُ بَابَشَاذَ: وَالْغَالِبُ عَلَى (سَوْفَ) اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَعَلَى السِّينِ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعْدِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ (سَوْفَ) فِي الْوَعْدِ وَالسِّينُ فِي الْوَعِيدِ.

.سَوَاءٌ:

سَوَاءٌ: تَكُونُ بِمَعْنَى (مُسْتَوٍ) فَتُقْصَرُ مَعَ الْكَسْرِ، نَحْوَ: {مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] وَتُمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ، نَحْوَ: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصَّافَّات: 55].
وَبِمَعْنَى التَّمَامِ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} [فُصِّلَتْ: 10]، أَيْ: تَمَامًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: 22].
وَلَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى غَيْرَ. وَقِيلَ: وَرَدَتْ، وَجُعِلَ مِنْهُ فِي الْبُرْهَانِ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الْمَائِدَة: 12]، وَهُوَ وَهْمٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] إِنَّهَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ، وَالْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَكَانًا سُوَى هَذَا الْمَكَانِ، حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ، قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافَةٍ.

.سَاءَ:

سَاءَ: فِعْلٌ لِلذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ.

.سُبْحَانَ:

سُبْحَانَ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ، لَازِمُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مُفْرَدٍ ظَاهِرٍ، نَحْوَ: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يُوسُفَ: 108]. {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الْإِسْرَاء: 1] أَوْ مُضْمَرٍ، نَحْوَ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 171]، {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا} [الْبَقَرَة: 32]. وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِعْلُهُ.
وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيّ: مِنَ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَصَّلُ أَنَّهُ مَصْدَرُ (سَبَّحَ) إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. وَأَنْشَدَ:
قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا ** سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِه: {سُبْحَانَ اللَّهِ} قَالَ: تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ.

.ظَنَّ:

ظَنَّ: أَصْلُهُ لِلِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 20]. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَة: 46].
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ؛ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَالْآيَةِ الْأُولَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ضَابِطَان:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ، وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ فَهُوَ الشَّكُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بَعْدَهُ (أَنْ) الْخَفِيفَةُ فَهُوَ شَكٌّ، نَحْوَ: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} [الْفَتْح: 12]. وَكُلُّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بِهِ (أَنَّ) الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ، كَقَوْلِه: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الْحَاقَّة: 20]، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [الْقِيَامَة: 28]. وَقُرِئَ {وَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لِلتَّأْكِيدِ فَدَخَلَتْ عَلَى الْيَقِينِ، وَالْخَفِيفَةَ بِخِلَافِهَا فَدَخَلَتْ فِي الشَّكِّ، وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْأُولَى فِي الْعِلْمِ، نَحْوَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [مُحَمَّدٍ: 19]. {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الْأَنْفَال: 66].
وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُسْبَانِ، نَحْوَ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الْمَائِدَة: 71].
ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الضَّابِط: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} [التَّوْبَة: 118].
وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا اتَّصَلَتْ بِالِاسْمِ، وَهُوَ مَلْجَأٌ وَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ. ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قَالَ: فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الضَّابِطِ؛ فَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا: مَا جَاءَ فَى مَعَانِي (ظن) بمعنى الْعِلْم وَالشَّكّ وَالْكَذِب فَإِنْ قَامَتْ بَرَاهِينُ الْعِلْمِ، فَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّكِّ، فَالظَّنُّ يَقِينٌ. وَإِنِ اعْتَدَلَتْ بَرَاهِينُ الْيَقِينِ وَبَرَاهِينُ الشَّكِّ، فَالظَّنُّ شَكٌّ. وَإِنْ زَادَتْ بَرَاهِينُ الشَّكِّ عَلَى بَرَاهِينِ الْيَقِينِ، فَالظَّنُّ كَذِبٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الْجَاثِيَة: 24] أَرَادَ يَكْذِبُونَ. انْتَهَى.

.عَلَى:

عَلَى: حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا: الِاسْتِعْلَاءُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، نَحْوَ: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 22]، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرَّحْمَن: 26]. {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْبَقَرَة: 253]، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشُّعَرَاء: 14].
ثَانِيهَا: لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَعَ، نَحْوَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [الْبَقَرَة: 177] أَيْ: مَعَ حُبِّهِ. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرَّعْد: 6].
ثَالِثُهَا: لِلِابْتِدَاءِ كَمِنْ، نَحْوَ: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [الْمُطَفِّفِينَ: 2] أَيْ: مِنَ النَّاسِ {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [الْمُؤْمِنُونَ: 5- 6] أَيْ: مِنْهُمْ بِدَلِيلِ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ.
رَابِعُهَا: التَّعْلِيلُ كَاللَّامِ، نَحْوَ: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الْبَقَرَة: 185] أَيْ: لِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ.
خَامِسُهَا: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، نَحْوَ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [الْقَصَص: 15] أَيْ: فِي حِينِ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [الْبَقَرَة: 102] أَيْ: فِي زَمَنِ مُلْكِهِ.
سَادِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ، نَحْوَ: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ} [الْأَعْرَاف: 105] أَيْ: بِأَنْ، كَمَا قَرَأَ أُبَيٌّ.
فَائِدَةٌ:
هِيَ فِي نَحْو: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الْفُرْقَان: 58]. بِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ، أَيْ: أَضِفْ تَوَكُّلَكَ وَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ، كَذَا قِيلَ.
وَعِنْدِي: أَنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ. وَفِي نَحْو: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الْأَنْعَام: 12] لِتَأْكِيدِ التَّفَضُّلِ لَا الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا فِي نَحْو: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الْغَاشِيَة: 26] لِتَأْكِيدِ الْمُجَازَاةِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا ذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ مَعَ الْحَمْدِ لَمْ تَقْتَرِنْ بـ: (عَلَى) وَإِذَا أُرِيدَتِ النِّعْمَةُ أَتَى بِهَا، وَلِهَذَا «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ. وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ».
تَنْبِيهٌ:
تَرِدُ (عَلَى) اسْمًا- فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ- إِذَا كَانَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلِّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الْأَحْزَاب: 37]، لِمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي إِلَى وَتَرِدُ فِعْلًا مِنَ الْعُلُوِّ، وَمِنْهُ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [الْقَصَص: 4].

.عَنْ:

عَنْ: حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:
أَشْهَرُهَا: الْمُجَاوَزَةُ: نَحْوَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النُّور: 63] أَيْ: يُجَاوِزُونَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ.
ثَانِيهَا: الْبَدَلُ نَحْوَ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [الْبَقَرَة: 48].
ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ: نَحْوَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} [التَّوْبَة: 114] أَيْ: لِأَجْلِ مَوْعِدَةٍ {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هُودٍ: 53] أَيْ: لِقَوْلِكَ.
رَابِعُهَا: بِمَعْنَى عَلَى نَحْوَ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [مُحَمَّدٍ: 38] أَيْ: عَلَيْهَا.
خَامِسُهَا: بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوَ: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الْآيَةَ [التَّوْبَة: 104] أَيْ: مِنْهُمْ؛ بِدَلِيل: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} [الْمَائِدَة: 27].
سَادِسُهَا: بِمَعْنَى بَعْدَ: نَحْوَ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [الْمَائِدَة: 13]. بِدَلِيلِ أَنَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [الْمَائِدَة: 41]، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الِانْشِقَاق: 19] أَيْ: حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ.
تَنْبِيهٌ:
تَرِدُ اسْمًا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا (مِنْ). وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الْأَعْرَاف: 17]، قَالَ: فَتُقَدَّرُ مَعْطُوفَةً عَلَى مَجْرُورِ (مِنْ) لَا عَلَى (مِنْ) وَمَجْرُورِهَا.

.عَسَى:

عَسَى: فِعْلٌ جَامِدٌ لَا يَتَصَرَّفُ، وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ حَرْفٌ.
وَمَعْنَاهُ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 216].
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ، نَحْوَ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النَّمْل: 72].
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ (عَسَى) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَوُجِّهَ عَلَى مَعْنَى: عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. وَمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ، نَحْوَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [مُحَمَّدٍ: 22] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ: هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، وَهَلْ أَخْبَرْتُمُوهُ؟.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: عَسَى فِي الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْن:
أَحَدُهُمَا: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الْإِسْرَاء: 8] يَعْنِي: بَنِي النَّضِيرِ، فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ.
وَالثَّانِي: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا} [التَّحْرِيم: 5] فَلَمْ يَقَعِ التَّبْدِيلُ.
وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَعَمَّمَ الْقَاعِدَةَ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِأَلَّا يَعُودُوا، كَمَا قَالَ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الْإِسْرَاء: 8] وَقَدْ عَادُوا، فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، وَالتَّبْدِيلُ مَشْرُوطًا بِأَنْ يُطَلِّقَ وَلَمْ يُطَلِّقْ، فَلَا يَجِبُ.
وَفِي الْكَشَّافِ: فِي سُورَةِ التَّحْرِيم: عَسَى إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِيهِ وَجْهَان:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِلَعَلَّ وَعَسَى، وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جِيءَ بِهِ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ، وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ، وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظ: أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ، صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَان: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ، وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ، فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ: تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [الْمَائِدَة: 54]. وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ، نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [الْمَائِدَة: 52]، وَنَحْوَ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ- حَالَ إِرْسَالِهِمَا- مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ، لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ.
وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّان: (عَسَى) فِعْلٌ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ طَمَعٌ قَدْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَاضِي اللَّفْظِ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طَمَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ.
تَنْبِيهٌ:
وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْن:
أَحَدُهُمَا: رَافِعَةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَقْرُونٌ بِأَنْ، وَالْأَشْهَرُ فِي إِعْرَابِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ عَامِلٌ عَمَلَ كَانَ. فَالْمَرْفُوعُ اسْمُهَا وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَقِيلَ: مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَةِ (قَارَبَ) مَعْنًى وَعَمَلًا، أَوْ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَة: قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ، وَحُذِفَ الْجَارُّ تَوَسُّعًا؛ وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ. وَقِيلَ: قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ، وَأَنْ يَفْعَلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فَاعِلِهَا.
الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا (أَنْ) وَالْفِعْلُ؛ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَامَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَبَدًا، وَأَنَّ وَصِلَتُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُزْأَيْنِ كَمَا فِي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} [الْعَنْكَبُوت: 2].

.عِنْدَ:

عِنْدَ: ظَرْفُ مَكَانٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُضُورِ وَالْقُرْبِ، سَوَاءً كَانَا حِسِّيَّيْنِ، نَحْوَ: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النَّمْل: 40]. {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النَّجْم: 14] أَوْ مَعْنَوِيَّتَيْنِ، نَحْوَ: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النَّمْل: 40]، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} [ص: 47]، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ} [الْقَمَر: 55]، {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 169]، {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التَّحْرِيم: 11]، فَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَات: قُرْبُ التَّشْرِيفِ، وَرِفْعَةُ الْمَنْزِلَةِ.
وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورَةً (عند) بـ: (مِنْ) خَاصَّةً، نَحْوَ: {فَمِنْ عِنْدِكَ} [الْقَصَص: 27]، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 89].
وَتُعَاقِبُهَا لَدَى وَلَدُنْ، نَحْوَ: {لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غَافِرٍ: 18]. {لَدَى الْبَابِ} [يُوسُفَ: 25]. {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 44].
وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِه: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الْكَهْف: 65].
وَلَوْ جِيءَ فِيهِمَا بـ: (عِنْدَ) أَوْ (لَدُنْ) صَحَّ، لَكِنْ تُرِكَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ تَكْرَارُ (لَدَى) فِي {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ}؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا.
وَتُفَارِقُ عِنْدَ وَلَدَى لَدُنْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ:
فَعِنْدَ وَلَدَى: تَصْلُحُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ وَغَيْرِهَا؛ وَلَا تَصْلُحُ لَدُنْ إِلَّا فِي ابْتِدَاءِ غَايَةٍ.
وَعِنْدَ وَلَدَى: يَكُونَانِ فَضْلَةً، نَحْوَ: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4]، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} [الْمُؤْمِنُونَ: 62]. وَلَدُنْ لَا تَكُونُ فَضْلَةً.
وَجَرُّ لَدُنْ بِمِنْ أَكْثَرُ مِنْ نَصْبِهَا، حَتَّى أَنَّهَا لَمْ تَجِئْ فِي الْقُرْآنِ مَنْصُوبَةً، وَجَرُّ عِنْدَ كَثِيرٌ، وَجَرُّ لَدَى مُمْتَنِعٌ.
وَعِنْدَ وَلَدَى يُعْرَبَانِ، وَلَدُنْ مَبْنِيَّةٌ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِينَ.
وَلَدُنْ قَدْ لَا تُضَافُ، وَقَدْ تُضَافُ لِلْجُمْلَةِ؛بِخِلَافِهِمَا.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَدُنْ أَخَصُّ مِنْ عِنْدَ وَأَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ نِهَايَةِ الْفِعْلِ. انْتَهَى.
وَ(عِنْدَ) أَمْكَنُ مِنْ (لَدُنْ) مِنْ وَجْهَيْن: أَنَّهَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي (عند)؛ بِخِلَافِ لَدُنْ.
وَعِنْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ لَدُنْ إِلَّا فِي الْحَاضِرِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُ.